سورة نوح - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (نوح)


        


{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ} أي بأن أي بالإِنذار، أو بأن قلنا له {أُنذِرَ}، ويجوز أن تكون مفسرة لتضمن الإِرسال معنى القول، وقرئ بغير {أن} على إرادة القول. {قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} عذاب الآخرة أو الطوفان.
{قَالَ يَا قَوْم إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ اعبدوا الله واتقوه وَأَطِيعُونِ} مر في (الشعراء) نظيره وفي {أن} يحتمل الوجهان.
{يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} يغفر لكم بعض ذنوبكم وهو ما سبق فإن الإِسلام يجبه فلا يؤاخذكم به في الآخرة {وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} هو أقصى ما قُدِّر لكم بشرط الإِيمان والطاعة. {إِنَّ أَجَلَ الله} إن الأجل الذي قدره. {إِذَا جَاء} على الوجه المقدر به آجلاً وقيل إذا جاء الأجل الأطول. {لاَ يُؤَخَّرُ} فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير. {لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} لو كنتم من أهل العلم والنظر لعلمتم ذلك، وفيه أنهم لانهماكهم في حب الحياة كأنهم شاكون في الموت.
{قَالَ رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً} أي دائماً.
{فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِى إِلاَّ فِرَاراً} عن الإِيمان والطاعة، وإسناد الزيادة إلى الدعاء على السببية كقوله: {فَزَادَتْهُمْ إيمانا} {وَإِنّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ} إلى الإِيمان. {لِتَغْفِرَ لَهُمْ} بسببه. {جَعَلُواْ أصابعهم فِى ءاذانهم} سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة. {واستغشوا ثِيَابَهُمْ} تغطوا بها لئلا يروني كراهة النظر إلي من فرط كراهة دعوتي أو لئلا أعرفهم فأدعوهم، والتعبير بصيغة الطلب للمبالغة. {وَأَصَرُّواْ} وأكبوا على الكفر والمعاصي مستعار من أصر الحمار على العانة إذا صر أذنيه وأقبل عليها. {واستكبروا} عن اتباعي. {استكبارا} عظيماً.
{ثُمَّ إِنّى دَعَوْتُهُمْ جهارا ثُمَّ إِنّى أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} أي دعوتهم مرة بعد أخرى وكرة بعد أولى على أي وجه أمكنني، و{ثُمَّ} لتفاوت الوجوه فإن الجهار أغلظ من الإِسرار والجمع بينهما أغلظ من الإِفراد لتراخي بعضها عن بعض، و{جهارا} نصب على المصدر لأنه أحد نوعي الدعاء، أو صفة مصدر محذوف بمعنى دعاء {جهارا} أي مجاهراً به أو الحال فيكون بمعنى مجاهراً.


{فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ} بالتوبة عن الكفر. {إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} للتائبين وكأنهم لما أمرهم بالعبادة قالوا: إن كنا على حق فلا نتركه وإن كنا على باطل فكيف يقبلنا ويلطف بنا من عصيناه، فأمرهم بما يجب معاصيهم ويجلب إليهم المنح ولذلك وعدهم عليه ما هو أوقع في قلوبهم. وقيل لما طالت دعوتهم وتمادى إصرارهم حبس الله عنهم القطر أربعين سنة، وأعقم أرحام نسائهم فوعدهم بذلك على الاستغفار عما كانوا عليه بقوله: {يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بأموال وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جنات وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} ولذلك شرع الاستغفار في الاستسقاء. و{السماء} تحتمل المظلة والسحاب، والمدرار كثير الدرور ويستوي في هذا البناء المذكر والمؤنث، والمراد بال {جنات} البساتين.


{مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} لا تأملون له توقيراً أي تعظيماً لمن عبده وأطاعه فتكونوا على حال تأملون فيها تعظيمها إياكم، و{لِلَّهِ} بيان للموقر ولو تأخر لكان صلة ل {وَقَاراً}، أو لا تَعتقدون له عظمة فتخافوا عصيانه، وإنما عبر عن الاعتقاد بالرجاء التابع لأدنى الظن مبالغة.
{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} حال مقررة للإنكار من حيث إنها موجبة للرجاء فإنه خلقهم {أَطْوَاراً} أي تارات، إذ خلقهم أولاً عناصر، ثم مركبات تغذي الإِنسان، ثم أخلاطاً، ثم نطفاً، ثم علقاً، ثم مضغاً، ثم عظاماً ولحوماً، ثم أنشأهم خلقاً آخر، فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى فيعظمهم بالثواب وعلى أنه تعالى عظيم القدرة تام الحكمة، ثم أتبع ذلك ما يؤيده من آيات الآفاق فقال: {أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سموات طِبَاقاً وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً} أي في السموات وهو في السماء الدنيا وإنما نسب إليهن لما بينهن من الملابسة. {وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً} مثلها به لأنها تزيل ظلمة الليل عن وجه الأرض كما يزيلها السراج عما حوله.
{والله أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتاً} أنشأكم منها فاستعير الإِنبات للإنشاء لأنه أدل على الحدوث والتكون من الأرض، وأصله {أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض} إنباتاً فنبتم نباتاً، فاختصره اكتفاء بالدلالة الالتزامية.
{ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} مقبورين. {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً} بالحشر، وأكده بالمصدر كما أكد به الأول دلالة على أن الإعادة محققة كالابداء، وأنها تكون لا محالة.
{والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً}. تتقلبون عليها.
{لّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً} واسعة جمع فج ومن لتضمن الفعل معنى الاتخاذ.

1 | 2